كتب ـ إيهاب حمدي
أثناء مشاهدة فيلم " رسايل بحر " للمخرج و المؤلف دواد عبد السيد ظل سؤال وحيد يطارد زهني هو ما هي حدود تقديم العرى و الجنس تحت مسمى الرؤية الفنية و التوظيف الدرامي ؟
لقد اشتهر في فترة سابقة في السينما المصرية تيار ما يعرف بالسينما النظيفة وهو تيار من الممثلين و الممثلات وقف ضد الأفلام التي بها مشاهد جنس أو عرى أو مشاهد فاضحة رافضين تمثيلها إلا أن هذا التيار قد واجه العديد من النقاد و المخرجين و المؤلفين الذين رفضوا ما يعرف بالسينما النظيفة منادين بوقف تقييم الفن من منظور اخلاقى بحت و مدعين بأنه إذا ما كان هناك ضرورة درامية و رؤية فنية لوجود مشاهد فاضحة فلا باس بها بل يتوجب وجودها في السياق الدرامي للفيلم .
من هؤلاء المخرجين داود عبد السيد صاحب أفلام " مواطن ومخبر وحرامي " ، " الكيت كات " ، و " ارض الخوف " و غيرها من الأفلام التي كانت جميعاً لا تنتمي إلى ما اصطلح عليه بالسينما النظيفة بل تنتمي إلى الفئة الأخرى حيث العلاقات المحرمة الغير شرعية كما بين سليم ( خالد أبو النجا ) و حياه ( هند صبري ) في فيلم مواطن ومخبر و حرامي ، و بين يوسف ( شريف منير ) وفاطمة ( عايدة رياض ) في فيلم الكيت كات ، بالإضافة إلى السحاق كما ظهر في الفيلم الذي نحن بصدده .
الفيلم الذي قام بتأليفه و إخراجه داود عبد السيد هو نتاج عمل سبع سنوات لمخرجه ومؤلفه عليه و فيه يرصد قصة شاب مصر سكندرانى هو يحيى ( أسر يا سين ) خريج الطب الذي يعانى من صعوبة في الكلام أفقدته القدرة على التواصل مع زملاءه أو حتى مرضاه فترك مهنة الطب و اتجه للصيد بمفرده كتعبير عن حالة العزلة التي يعانى منها .
تبدأ الأحداث بوفاة والد يحيى و سفر أخيه إلى أمريكا و جلوسه وحيداً في شقتهم القديمة في اسكنرية حيث جارته الإيطالية فرانشيسكا (نبيهة لطفي) و ابنتها كارلا (سامية اسعد ) التي كان يحبها يحيى قديماً و يحاول استعادة هذا الحب بعد عودته إلى أن يقابل صدفه نورا ( بسمة ) في احد الشوارع في ليلة شاتية ممطرة فيأخذها معه لتبيت في الشقة بعد أن يتعرف عليها .
تسير الأحداث ببطء ولا جديد في الأحداث سوى عرض مشاهد لتطور علاقة يحيى بنورا و تحولها إلى علاقة حب قائمة على الجنس في المقابل يبتعد يحيى عن كارلا شيئا فشيئاً حتى تدخل هي في علاقة سحاقية مع احد زبائنها ( دعاء حجازي ) .
يعرف يحيي أن نورا تمتهن الدعارة فهي مومس تنام معه كما تنام مع غيره و لكنها تحبه وهو يحبها و يحاول ان يتناسى ذلك و يثنيها عن عملها كمومس ليتزوجها .
نورا التي نعرف لاحقاً أنها زوجة لأحد رجال الأعمال في السر و أنها ليست مومس بل تشعر أنها كذلك لأنها متزوجة في السر و لا يأتي إليها زوجها إلا طلباً للمتعة تحاول أن تختبر حب يحيى لها وقوة تحمله بالإيهام بأنها مومس بل و محاولة استفزاز رجولته إلا أن يحيى المحب للموسيقى يكون متسامحاً جداً معها و لا يجد مشكلة في أن يفكر من الزواج بها .
الشقة التي يعيش فيها يحيها امتلكها احد الأثرياء الجدد الذي يصطاد بالديناميت و يريد أن يخلى العمارة ليهدمها و يبنى مكانها برجاً سكنياً و يحاول ان يفاوض يحيى على ترك شقته إلا أن يحيى يرفض ترك الشقة لأنها تمثل له ذكريات و تاريخ مهم لا يفهمه صاحب العمارة و يخرج منها مطروداً في نهاية الأحداث مع حبيبته نورا .
يتعرف يحيى على قابيل ( محمد لطفي ) في حانة يذهب إليها يحيى ليشرب لأول مرة ومن ثم نتعرف على خطيبة قابل بيسة ( مي كساب ) التي تحب قابيل و حينما يقدم على إجراء عملية في مخه قد تفقده ذاكرته تجلس معه لتحفظ بدلاً عنه أسماء أقربائه و جيرانه و أصحابه حتى إذا ما فقد الذاكرة ذكرته هي بهؤلاء في احد أجمل الخطوط الثانوية الدرامية جمالاً و روعة .
يحصل يحيى على زجاجة من البحر بها رسالة مكتوبة باللغة اللاتينية لا يعرف احد ترجمتها ولا نحن حتى ينتهي الفيلم إلا أننا نجد أن نورا في المشهد الأخير من الفيلم حينما يتم طردهم من البيت بعد أن تتكرر لقاءاتهم الحميمية في البيت أنها تقول له مش مهم نعرف الرسالة فيها إيه المهم إنها رسالة من البحر ليك .
يحاول داود عبد السيد من خلال الفيلم أن يذكر بقيمة التسامح لأبعد حدود بين البشر لدرجة إننا من الممكن أن نتسامح مع مومس تبيع جسدها لمن يدفع إعلاء لقيمة التسامح كما فعل البطل يحيى مع حبيبته نورا إلا أن المخرج و المؤلف قد وقع في تناقض مع نفسه ومع فكرته فبالرغم من أن علاقة يحيى و كارلا كانت إلى حد ما جيده قبل معرفته انها تمارس الشذوذ مع فتاة أخرى الا أن يحيى بعد مشاهدتهما في أوضاع مخلة ابتعد عنها حتى أن السيناريو لم يسرد سوى مشهد واحد جمع بين يحيى وكارلا بعد معرفته بأنها سحاقية حتى نهاية الفيلم مما يوضح ان يحيى لم يسامح كارلا على ما اقترفته من جريمة ممارسة السحاق .
ما هو المبرر الدرامي لسرد علاقة كارلا السحاقية بزبونتها و كيف وقعت كارلا في شراك ممارسة السحاق في مشهدين اثنين فقط لم يجب السيناريو عن ذلك بل إننا إذا ما حذفنا الجزء الخاص بتلك العلاقة من الفيلم لم يتأثر الفيلم بشيء سوى حذف مشاهد العرى التي جاءت به فلم يكن هناك مبرر لوجود مثل هذه العلاقة سوى لعرض مشاهد عرى مجانية على شاشة السينما .
فكرة الفيلم الأصلية ان أتسامح مع مومس و أحبها و أتزوجهااو أعيش معاها خارج مؤسسة الزواج بالرغم من امتهانها تلك المهنة حتى و أنا على علاقة معها غير مقبولة اجتماعياً و غير واردة أصلا في مجتمعاتنا المحافظة .
استخدام بطء النطق عند يحيى كمدخل لمواقف كوميدية هو استخفاف و استخدام لمرض ومعاناة بشكل سيء درامياً فمن غير المقبول ان نأخذ معاناة الناس و أمراضهم مادة للضحك و الكوميديا .
و مشاهد البحر و النوة و المد و الجزر التي مليء بها الفيلم طغت في وقت عرضها على القصة الدرامية و كأننا في فيلم تسجيلي من أفلام داود عبد السيد التي بدأ بها مشوار إخراجه .
يبقى ان نقول انه بالرغم من كم التحفظات على ما ظهر في الفيلم من مشاهد عرى و جنس مما جعل الرقابة المصرية تجيزه بعد وضع عليه لافتة " للكبار فقط " إلا ان الفيلم بموسيقاه الجذابة الدافئة و بأداء ممثليه الجيد يمثل حالة فنية أفضل من المعروض في سوق السينما حالياً .
كتبت لجريدة الوطن العمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق